يكتب سيان وارد من دمشق عن لحظة هروب الأسد في 8 ديسمبر 2024 على متن مروحية روسية. خلال 11 يومًا فقط انهار الهيكل الذي دافع عنه لأكثر من عقد. شوارع دمشق امتلأت بفرح غامر، وفي الوقت نفسه اندفعت أسر كثيرة نحو السجون والمشارح بحثًا عن أبنائها الذين “اختفوا خلف شمس” آلة القمع. يقدّم الكاتب قصة “مَدِيحة” التي تواصل البحث عن ابنها محمد بعد أن عثرت على صورته في قاعدة بيانات ضحايا التعذيب التابعة لجمعية عائلات قيصر. أسر المفقودين قضت عامًا كاملًا تبحث وسط الصمت نفسه.
يوضح العربي الجديد أن رئيس البلاد أحمد الشرع أنشأ “اللجنة الوطنية للمفقودين” في مايو لتوضيح مصير مئات الآلاف، فيما تؤكد متحدّثة اللجنة زينة شهلا أن الجهد الحالي يركّز على بناء قاعدة البيانات. المطالبة بالعدالة تتجاوز مسألة الإغلاق العاطفي؛ هي صراع مع الإفلات من العقاب ذاته.
1. عدالة معطّلة وتصدعات طائفية
ينشئ الشرع “لجنة العدالة الانتقالية” أيضًا، لكن الانتقادات تلاحق الحكومة بسبب صفقات تسوية مع رموز النظام السابق، تسمح لكثير منهم بالإفلات مقابل إعادة جزء من الثروات غير المشروعة. رغم ذلك، تلوح بوادر خجولة على نهاية الحصانة. في نوفمبر، عُقدت أولى المحاكمات العلنية بحق 14 شخصًا على خلفية مجازر الساحل في مارس، بينهم عناصر من جماعات متمردة وأفراد من أجهزة الأمن شاركوا في قتل 1400 مدني أغلبهم من الطائفة العلوية.
تغرق سوريا في عنف طائفي واسع، وفق محللة مجموعة الأزمات الدولية نانار حواش، التي ترى أن تواطؤ الحكومة المتكرر يبدد ثقة مجتمع أنهكته الحرب. تتوالى الهزات: تفجير انتحاري ضرب كنيسة مار إلياس في دمشق في يونيو وأدى لمقتل 25، صراع بدو–دروز في السويداء في يوليو، ثم تدخل إسرائيلي زاد المشهد قسوة ودفع الحكومة إلى التراجع تحت القصف.
2. إسرائيل توسّع حضورها.. وواشنطن تغيّر خطابها
تعزز إسرائيل وجودها جنوب سوريا عبر توغل بري في القنيطرة وإقامة حواجز ونقاط محصّنة تطلق منها غارات وتنفذ عمليات خطف للسكان. ينقل الشرع أن إسرائيل شنّت أكثر من ألف غارة خلال العام. خلال عملية في بيت جن الأسبوع الماضي، قتلت إسرائيل 13 سوريًا بينهم نساء وأطفال، فيما أظهر السكان مقاومة غير معتادة أدت لإصابة ستة جنود إسرائيليين.
تجري محادثات مباشرة بين دمشق وتل أبيب حول اتفاق أمني، لكن الشرع يربط أي اتفاق بانسحاب إسرائيل من مواقع احتلتها منذ ديسمبر 2024، بينما تدفع تل أبيب نحو “نزع سلاح الجنوب”. ترامب يتدخل داعيًا لاستمرار الحوار، ثم يعلن رفع العقوبات الأميركية بعد لقاء قصير مع الشرع في الرياض.
أطلق رفع العقوبات موجة احتفال ضخمة في دمشق، لكن اقتصاد البلاد لا يزال هشًا. البنك الدولي يتوقع نموًا لا يتجاوز 1% عام 2025 بسبب الأصول المجمّدة وتعطّل المصارف والطاقة.
3. إعادة بناء متعثرة.. ودبلوماسية جديدة
يبلغ حجم الاستثمارات المعلنة بعد سقوط النظام نحو 28 مليار دولار، بينما تحتاج البلاد إلى 216 مليارًا لإعادة الإعمار. الكثير من الصفقات يعتمد على مذكرات تفاهم غير ملزمة، وبعضها يثير شبهات مثل منح عقد إنشاءات بقيمة ملياري دولار لشركة إيطالية بموظف واحد فقط.
ورغم العشوائية، يعود ما لا يقل عن مليون سوري من الخارج ومليونين من النازحين. أحياء كثيرة تُرمم بكتل إسمنتية بسيطة، والكهرباء ارتفعت إلى 14 ساعة يوميًا بفضل ملايين براميل النفط التي قدّمتها السعودية وقطر.
تشهد العلاقات الأميركية السورية تحولًا جذريًا. الشرع يتبنى سياسة “لا أعداء”، ويسعى لموازنة علاقاته مع الخليج وتركيا وروسيا. يخطب في الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى منذ ستة عقود، ثم يزور البيت الأبيض، وتعلن سوريا انضمامها للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.
هذا التحول قد يعيد رسم علاقة دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على الشمال الشرقي. تشير كارولاين روز إلى إمكانية بناء تنسيق أمني يمهّد لاندماج كامل لاحقًا. اتفاق مارس نصّ على دمج البنى السياسية والعسكرية لقسد، لكن المفاوضات تعثرت، وتركيا تهدد بتدخل مسلّح إذا لم يحدث الاندماج.
التوترات لا تهدأ على ضفاف الفرات، وتندلع اشتباكات متفرقة. في أكتوبر اشتد القتال بين قوات الحكومة وقسد في أحياء حلب ذات الغالبية الكردية، ما أثار مخاوف من تصعيد أوسع.
في المحصلة، يقدّم العام الأول بعد الأسد إشارات أمل، لكنه يبقى هشًا. تذكّر نانار هواش بأن سوريا قد تعود للسقوط إذا فشل الشرع في تحقيق العدالة الحقيقية، وضبط التوتر الطائفي، وإعادة الإعمار بشكل عادل، والتوصل إلى تسوية قابلة للحياة مع خصومه. نجاحه في هذه الملفات قد يفتح لسوريا طريقًا نحو بداية مختلفة.
https://www.newarab.com/analysis/fragile-dawn-syrias-first-year-after-assad

